يجد نواف سلام، المُكلّف بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، نفسه في وضع دقيق للغاية، حيث يواجه تحديات جمة وضغوطًا مُتزايدة من مختلف الأطراف السياسية، ويتمحور الصراع الأساسي حول التوفيق بين مطالب القوى التغييرية التي تدعمه وبين مصالح القوى السياسية التقليدية المُتنفذة، ما يُعيق عملية تشكيل حكومة مُستقرة وقادرة على مواجهة التحديات التي يمر بها لبنان.
تُعدّ مسألة توزيع الحقائب الوزارية، وعلى رأسها وزارة المالية، من أبرز نقاط الخلاف المُستمرة، حيث يُصرّ الثنائي الشيعي على ضرورة بقاء هذه الوزارة ضمن حصته، نظرًا لأهميتها السيادية والاقتصادية، وفي المقابل، يسعى سلام إلى إيجاد صيغة تُحقق توازنًا في التمثيل الوزاري بين جميع الطوائف والمكونات السياسية، بما يُجنب البلاد أي انزلاقات نحو التوتر الطائفي أو السياسي.
يُشير الدكتور عباس مزهر، الخبير في الشؤون الاستراتيجية، إلى أن عملية تشكيل الحكومات في لبنان تخضع بشكل كبير لما يُعرف بـ “الميثاقية”، أي التوافق السياسي بين المكونات اللبنانية، أكثر من اعتمادها على النصوص الدستورية الصريحة، ويُوضح أن إعلان سلام عن نيته تسمية الوزراء بنفسه يُحمّله مسؤولية كبيرة، حيث يُمكن أن يُفسّر هذا الإجراء من قبل القوى التقليدية على أنه خروج عن الأعراف السياسية، بينما قد تراه القوى التغييرية مُحاولة لتطبيق الدستور بشكل صحيح.
يُؤكد مزهر أن سلام سيُواجه عراقيل كبيرة إذا لم يُقدم تنازلات للقوى السياسية التقليدية، كحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، حيث تمتلك هذه القوى القدرة على تعطيل عملية تشكيل الحكومة، على الرغم من الدعم الذي يحظى به سلام من القوى التغييرية، ويُضيف أن استمرار هذا الدعم مرهون بعدم استسلام سلام لمطالب القوى التقليدية.
يُواجه سلام خيارًا صعبًا يتمثل في المُوازنة بين تحقيق تمثيل سياسي يُرضي جميع الأطراف دون التخلي عن مبادئ الإصلاح التي يتبناها، وفي حال اختار الانحياز إلى المنظومة السياسية التقليدية، فإنه سيُعرّض نفسه لانتقادات حادة من القوى التغييرية، ما سيُقلل من قدرته على المُناورة، خاصةً مع ترقب الرأي العام ووسائل الإعلام لتحركاته.
يُشدد مزهر على الأهمية الكبيرة التي يُوليها الثنائي الشيعي لوزارة المالية، خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان والحاجة إلى إعادة الإعمار، حيث تُعتبر هذه الوزارة أداة رئيسية لتنفيذ السياسات المالية التي تخدم مصالح الثنائي، خاصةً في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على حزب الله، ويستبعد مزهر تنازل الثنائي عن هذه الوزارة إلا في إطار اتفاق سياسي شامل يتضمن تغييرات جوهرية في النظام السياسي مع ضمانات إقليمية ودولية.
فيما يتعلق بتمثيل الطوائف في الحكومة، تُطالب القوى التغييرية بتعيين شخصيات مُستقلة وكفؤة، بينما تُصرّ القوى المسيحية، كالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، على الحفاظ على حصصها الوزارية، ويُحذر مزهر من أن أي خلل في تمثيل أي من الطوائف الرئيسية قد يُؤدي إلى مُطالبات مُماثلة من الطوائف الأخرى، ويُشير إلى أن الأحزاب التقليدية لا تزال تُعتبر المُمثل الرئيسي للطوائف، لكن حصول القوى التغييرية على تمثيل وزاري قوي قد يُشجع بقية الطوائف على المطالبة بتمثيل مُماثل.
ويُختتم مزهر بالإشارة إلى أن مُحاولة سلام إعطاء تمثيل أكبر للقوى التغييرية قد يُواجه برفض من القوى التقليدية، والعكس صحيح، حيث أن تهميش القوى التغييرية قد يُفقده الدعم الشعبي، ما يُنذر بتصعيد سياسي في ظل التطورات الإقليمية والدولية المُتغيرة.