صرّح جواد العناني، رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق، بأن اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى بلورة رؤية جديدة لما يمكن اعتباره “صفقة قرن ثانية”.
وفي مقابلة خاصة، أوضح العناني أن هذه التحركات تأتي في سياق تحقيق مصالح الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، والتي تتطلع إلى فرض سيطرتها على قطاع غزة وتهجير سكانه، بالإضافة إلى توسيع الحدود الإسرائيلية، إلى جانب تنسيق الجهود ضد إيران عبر فرض المزيد من العقوبات أو التلويح بعمل عسكري محتمل.
المعادلة العربية وموقفها من التغييرات المطروحة
ويأتي هذا الاجتماع في ظل أجواء متوترة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، حيث سبق أن صرح ترامب بأنه يرى أن “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة”، في إشارة قد تعكس نواياه بشأن تغييرات جغرافية في المنطقة، كما طالب كلًّا من مصر والأردن باستقبال أعداد من سكان غزة، وهو ما يثير تساؤلات حول السيناريوهات المطروحة بشأن القطاع.
عند الحديث عن محاولات إعادة تشكيل المشهد السياسي، يرى العناني أن الأمر ليس بهذه البساطة، خاصة أن الموقف العربي يبدو أكثر تماسكًا في هذه المرحلة، وفقد اجتمع وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، إلى جانب ممثل عن منظمة التحرير الفلسطينية والأمين العام لجامعة الدول العربية، حيث قدموا موقفًا واضحًا للإدارة الأمريكية يؤكد على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ووحدة أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، مع رفض أي محاولات لفرض تهجير قسري على الفلسطينيين.
وأشار العناني إلى أن الرئيس الأمريكي السابق لديه سجل من التراجع عن القرارات الحاسمة، مستشهدًا بمواقفه السابقة مثل تجميد الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك، وبناءً على ذلك يعتقد أن أي تحركات حالية لا يمكن اعتبارها نهائية، إذ قد تتغير استراتيجيات ترامب بناءً على المصالح والضغوط المختلفة.
ملفات حساسة على طاولة النقاش
ومن الملفات التي تناولها لقاء ترامب ونتنياهو، يأتي الملف الإيراني في مقدمة الأولويات، إلى جانب مستقبل قطاع غزة وقضية الرهائن المحتجزين لدى حماس، لكن المثير للاهتمام، بحسب العناني، أن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة لم يتضمن أي تمثيل لحركة حماس، بل اقتصر على منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما قد يشير إلى نية بعض الأطراف لإعادة تشكيل مستقبل القطاع بعيدًا عن نفوذ الحركة.
أما فيما يتعلق بالموقف الإيراني، فقد لفت العناني إلى تصريحات وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، والتي أكد فيها أن طهران لم تكن على علم مسبق بعملية 7 أكتوبر التي نفذتها حماس، بل تفاجأت بها كما تفاجأ العالم، وهو ما يشير إلى أن إيران تحاول تهدئة الأجواء وتقديم نفسها كطرف يسعى إلى التفاوض بدلاً من التصعيد.
ورغم تصريحات نتنياهو المتكررة حول “تغيير الشرق الأوسط”، يرى العناني أن تحقيق مثل هذا الهدف لا يبدو ممكنًا في الوقت الحالي، نظرًا لوجود توازنات إقليمية ودولية تحول دون ذلك، فالتنسيق العربي، الذي يضم دولًا رئيسية مثل مصر والسعودية والإمارات، يقف حاجزًا أمام أي محاولات لفرض واقع جديد بالقوة.
وأشار العناني إلى أن محاولات إسرائيل السابقة خلال الولاية الأولى لترامب لم تحقق النجاح المتوقع، وهو ما يعزز من فرضية أن السيناريو ذاته قد يتكرر هذه المرة.
ملف تهجير سكان غزة.. هل هو وارد؟
وعن مسألة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، أكد العناني أن هذا السيناريو يبدو غير مرجح، رغم الحديث المستمر عنه في الأوساط السياسية الإسرائيلية، وأوضح أن أهالي غزة لديهم صمود قوي في مواجهة الضغوط، كما أن هناك إجماعًا عربيًا ودوليًا على رفض أي محاولات لفرض تغيير ديموغرافي قسري في القطاع.
وأضاف أن إسرائيل قد تحاول استخدام هذه القضية كورقة ضغط سياسية، لكنها لن تجد الدعم اللازم لتنفيذها على أرض الواقع، خاصة في ظل المواقف العربية الثابتة والتحديات القانونية التي قد تواجهها أي محاولات من هذا النوع.
ولطالما تحدث ترامب عن أن “إسرائيل صغيرة جدًا”، في إشارة واضحة إلى إمكانية توسيع حدودها، إلا أن العناني يعتقد أن أي محاولات لتحقيق ذلك ستواجه عقبات قانونية ودولية كبرى.
وأشار إلى أن العديد من القرارات التي اتخذها ترامب خلال فترته الرئاسية كانت مثيرة للجدل، وغالبًا ما تعرضت للطعن داخل المحاكم الأمريكية أو لانتقادات واسعة في الأوساط الدولية، وهو ما قد يتكرر حال سعى إلى فرض أي تغييرات جذرية في خريطة الشرق الأوسط.
ويرى العناني أن الشرق الأوسط يقف أمام مرحلة معقدة، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية بشكل كبير، ورغم التصريحات الطموحة التي يطلقها نتنياهو وترامب، فإن العوامل الواقعية على الأرض قد تعيق تنفيذ العديد من خططهم.
وفي ظل تماسك الموقف العربي، ووجود تحديات داخلية في الولايات المتحدة، من غير المرجح أن تحدث تغييرات جذرية في القريب العاجل، لكن يبقى الحذر مطلوبًا في التعامل مع أي تحركات قد تسعى لإعادة رسم معالم المشهد السياسي في المنطقة.