احتفالات العام الجديد ليست ظاهرة حديثة؛ بل تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ، حيث كان المصريون القدماء يحتفلون بحلول السنة الجديدة بطقوس وفعاليات مميزة تعكس ارتباطهم بالطبيعة والآلهة.
واختلفت هذه الاحتفالات عن طقوسنا الحديثة، لكنها حملت عناصر مشابهة مثل تقديم الهدايا وتنظيم الأعياد، بجانب طقوس أخرى ارتبطت بثقافتهم الخاصة.
وكان المصريون القدماء يطلقون على بداية العام الجديد اسم “ويبت رينبت”، الذي يعني “افتتاح العام”، وتضمنت هذه المناسبة طقوسًا متعددة، أبرزها تقديم الهدايا للأصدقاء وأفراد العائلة، وهو تقليد يبدو مألوفًا اليوم، غير أن الطقوس الفريدة تمثلت في إخراج تماثيل الآلهة من المعابد لتُعرض تحت أشعة الشمس، اعتقادًا منهم أن ذلك يمنحها طاقة جديدة.
واعتمد المصريون القدماء على تقويم مكون من 365 يومًا، لكنه افتقر إلى السنة الكبيسة التي نعرفها الآن، ونتيجة لذلك تغيّر توقيت مهرجان “ويبت رينبت” مع مرور الزمن، وفي البداية، تزامن الاحتفال مع الانقلاب الصيفي في يونيو، لكن مع مرور القرون انتقل توقيته ليصبح في ديسمبر خلال الانقلاب الشتوي.
من المثير للاهتمام أن بعض السجلات التاريخية تشير إلى أن المصريين احتفلوا بـ”ويبت رينبت” عدة مرات في السنة الواحدة، وعلى سبيل المثال تشير نقوش معبد خنوم في إسنا إلى إقامة ثلاثة مهرجانات للعام الجديد خلال فترة واحدة، وهو أمر مرتبط بالتغيرات في التقويم وتأثير الفصول الزراعية.
كان فيضان نهر النيل عاملًا محوريًا في حياة المصريين القدماء، حيث ارتبط ارتباطًا وثيقًا باحتفالات العام الجديد، والفيضان الذي كان يروي الأراضي الزراعية، كان يُعتبر حدثًا مباركًا يسمح بازدهار الزراعة، لذلك ارتبطت طقوس “ويبت رينبت” بفكرة التجدد والنمو.
ووثّقت النصوص القديمة احتفالات “ويبت رينبت” بجوار أهرامات الجيزة، حيث كانت تُنظم طقوس دينية وأعياد تُخلّد ذكرى الأجداد وتكرّم الآلهة، وأشار العلماء إلى أن التماثيل التي تمثل الآلهة كانت تُجدد أو تُستبدل خلال الاحتفالات، وهو تعبير عن التجدد المستمر.
إضافةً إلى الطقوس الدينية، تضمنت احتفالات المصريين القدماء أعيادًا ومآدب كبرى، بجانب تبادل الهدايا التي تحمل الأمنيات بعام جديد سعيد، وكشفت مشاهد من المقابر القديمة عن مظاهر الفرح والاحتفال التي كانت تزين هذه المناسبة.
ولا تزال طقوس المصريين القدماء تشكّل جزءًا من تاريخهم الغني، حيث عكست احتفالات العام الجديد فهمًا عميقًا للطبيعة ودورها في حياة الإنسان، وبينما تطورت الاحتفالات مع مرور الزمن، يبقى ارتباط المصريين بالمناسبات السنوية شاهدًا على ثقافة تمتد جذورها إلى آلاف السنين.