بعد فترة غياب طويلة دامت أكثر من 13 عامًا، عاد الشيخ محمد راتب النابلسي إلى دمشق في خطوة أحدثت تأثيرًا كبيرًا في الأوساط الدينية والاجتماعية.
كان النابلسي قد غادر سوريا في أعقاب الأحداث التي شهدتها البلاد في عام 2011، لكن عودته تكتسب أهمية خاصة في هذا التوقيت الحساس، فماذا يعني هذا الحضور الجديد للعالم الإسلامي المعروف؟ وكيف تؤثر عودته في الفترة الراهنة؟
وُلد الشيخ محمد راتب النابلسي في 29 يناير 1939 في دمشق، وذاع صيته في العالم الإسلامي بفضل توجهه الوسطي ورؤيته المعتدلة في نشر الدين، وتلقى النابلسي تعليمه الأكاديمي في مجالات متنوعة، بداية من الأدب العربي وصولًا إلى التربية، وعُرف بأسلوبه الفكري الذي يدمج بين الشريعة والعلوم الحديثة.
حصل النابلسي على شهادة الدكتوراه في التربية من جامعة دبلن، إضافة إلى دراسات في الأدب العربي من جامعة دمشق، ثم عمل أستاذًا في عدد من الجامعات الشهيرة مثل جامعة دمشق وجامعة بيروت، ومن خلال مسيرته الأكاديمية، قدم إسهامات كبيرة في مجال الدعوة الإسلامية والتفسير.
وساهم الشيخ النابلسي في تقديم أكثر من 2000 درس ديني تناولت قضايا متنوعة، من الفقه والعقيدة إلى السيرة النبوية، كما اشتهر أيضًا بخطب الجمعة التي كانت تُذاع في مساجد دمشق، حيث كان يركز على قضايا حياتية قريبة من اهتمامات الناس ويقدم حلولًا عملية مستمدة من تعاليم الدين، فأسلوبه الفكري العميق جعله رمزًا للدعوة الإسلامية المتوازنة.
بعد اندلاع الأحداث السياسية في 2011، اختار النابلسي أن يغادر سوريا ويستقر في عدد من الدول العربية والأوروبية، وكان ذلك بمثابة رد فعل على العنف السائد، وأكد دائمًا على ضرورة الحوار والإصلاح بدلاً من التصعيد، وخلال سنوات غيابه، استمر في تقديم رسالته عبر المحاضرات والبرامج الدينية التي عُرضت في مختلف أنحاء العالم.
في ديسمبر 2024، ظهرت بشائر عودة الشيخ النابلسي إلى دمشق، وهذه العودة لفتت الأنظار وجمعت بين محبيه والمصلين الذين تعلقوا به طوال سنوات الغياب، وفي أول خطبة له في أحد مساجد العاصمة، دعا النابلسي إلى الوحدة الوطنية ورابطة الأخوة بين أفراد المجتمع السوري، مؤكدًا على أهمية العدل والمصالحة لإعادة بناء البلاد بعد سنوات من التوتر.